Ads 160x600
Ads 160x600
الرئيسية / / آراء / من يزرع التفاهة يحصد الانحراف

من يزرع التفاهة يحصد الانحراف

كيوسك أنفو 12 أكتوبر 2025 - 13:42 آراء

المحجوب بنسعيد(*)

إن الاحتجاجات التي قام بها الشباب والقاصرون في عدد من المدن المغربية هذه الأيام، تزامنا مع الدخول المدرسي والجامعي والسياسي والثقافي، تستدعي دون شك قراءات تحليلية هادئة من مختلف الجهات واتخاذ إجراءات مندمجة ومتواصلة ومستدامة في إطار خطة استراتيجية شاملة، وليس الاكتفاء بتدابير مناسباتية لإخماد النار مؤقتاً، كما جرت العادة في مواجهة الأزمات المختلفة التي تعرفها بلادنا بين الفينة والأخرى مثل باقي بلدان العالم.

في انتظار ذلك، تفاعل الرأي العام المغربي من مثقفين ومسؤولين وإعلاميين ومواطنين عاديين مع الأحداث، وكانت المواقف على النحو التالي:

تأييد الاحتجاجات السلمية باعتبارها حقاً دستورياً وتعبيراً عن حيوية المجتمع، وتأكيداً لصورة المغرب بلد التعددية واحترام حقوق الإنسان والتعبير المسؤول في إطار القوانين الجاري بها العمل.

رفض العنف والتخريب وإدانة من استغلوا الاحتجاجات للقيام بذلك بهدف الإساءة إلى صورة المغرب السائر في طريق النمو، والمستقر سياسياً والقوي أمنياً، والمقبل على تنظيم تظاهرات رياضية قارية ودولية.

دعوة السلطات الحكومية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والآباء والأمهات إلى القيام بمسؤولياتهم والعناية بالشباب وتلبية احتياجاتهم وتجديد أساليب تأطيرهم والتواصل معهم.

إن الجانب السلبي والمخيف في احتجاجات جيل Z هو انحرافها عن أهدافها السلمية وانخراط القاصرين فيها وقيامهم بأعمال تخريبية طالت الممتلكات ورجال الأمن الوطني والدرك الملكي. وكشفت معطيات وزارة الداخلية أن الاحتجاجات الأخيرة عرفت مشاركة مرتفعة للقاصرين تجاوزت 70 في المائة من مجموع المشاركين، بل بلغت في بعض الحالات 100 في المائة، وهو ما واكبته أعمال عنف شملت استعمال أسلحة بيضاء والرشق بالحجارة وتفجير قنينات الغاز.

في مقالة ممتازة له نشرتها مجلة Tel quel، طلب الأستاذ الجامعي والخبير الإعلامي الدكتور هشام المكي أن نستمع إلى “أغاني الراب التي تنتشر بين الشباب، وخزان التمرد والسخط الشعبوي الذي تحمله.. أين كنتم حينما تركتم وعي الشباب عرضة لمغنين فاشلين دراسياً ومؤثرين تافهين أصبحوا يرسمون السياسات التواصلية للوزارات؟ وأعلم أنكم تعولون عليهم أيضاً لإدارة حملاتكم التواصلية لكأس العالم… ابحثوا عن بائعي المخدرات في محيط المؤسسات التعليمية، وابحثوا عن السكاكين في محافظ تلاميذ الإعداديات، وابحثوا عن أغاني اليأس والإحباط وسب الوطن ومديح الهجرة وقوارب الموت… فهي التي تشكل مواقف ووعي أغلب شبابنا اليوم، وهي الوقود الذي يغذي استعداده للعنف”.

كلام صحيح وملاحظات وجيهة. إن من شجعوا ذلك، أو تجاهلوه، ساهموا في زرع التفاهة. وهاهي بلادنا تحصد الانحراف والعنف والتخريب. هذه الفئات الشبابية المنحرفة والعدوانية لم تظهر اليوم في احتجاجات جيل Z، بل كانت تكشر عن أنيابها وتعبر عن سلوكاتها العدوانية أحياناً في الشارع والفضاءات العام، وفي محاولات الهجرة السرية إلى سبتة المحتلة، وغالباً في ملاعب كرة القدم في مباريات البطولة الوطنية منذ سنوات خلت. والغريب في الأمر أن يقوم جمهور من القاصرين بتكسير مرافق الملاعب وممتلكات المواطنين والاعتداء اللفظي والجسدي على رجال الأمن والمواطنين في الشارع العام رغم أن فريقهم خرج من المباراة منتصراً أو فائزاً ببطولة أو كأس.

إن الظاهرة خطيرة جداً وهي نتيجة تراكم أخطاء السياسات العمومية على مدى سنوات، وتتطلب اليوم المبادرات الصحيحة، والبرامج المستدامة، والاستراتيجيات المندمجة المبتكرة بمشاركة مؤسسات الدولة والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والأسرة ورجال الدين ووسائل الإعلام. وبهذا الخصوص نتساءل: لماذا لم يتم إنشاء قناة تلفزية خاصة بالشباب، ودعم تطوير إعلام شبابي فعال ومؤثر ومساهم في التنمية المستدامة، يراعي خصوصيات الشباب ويضمن مشاركتهم الفاعلة وينقل آراءهم، ويعزز هويتهم الوطنية، وينمي روح المواطنة الصالحة لديهم، بالإضافة إلى التعريف بتطلعاتهم وقضاياهم لدى الفاعلين وأصحاب القرار.

من جهة أخرى، من المهم الإشارة في هذه المناسبة إلى أن تقارير عدد من الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة أكدت أن فئة الشباب سيكون لها الإسهام الأكبر في ازدهار التكنولوجيات الجديدة، خاصة وأن تطور شبكات التواصل الاجتماعي أثار الانتباه إلى أنها، وإن كانت تُسهّل التواصل ونقل المعلومات والمعارف، فهي تحمل في طياتها كثيراً من المخاطر، منها انعدام الأمن وتهديم النظام العام، وانحرافات عديدة تتمثل إجمالاً فيما يطلق عليه الجرائم الإلكترونية، حيث إن الدول قاطبة، في الشمال والجنوب، تواجه مشاكل كبيرة في تأمين المعلومات من جميع أنواع الانزلاقات والاختراقات. كما أن أغلب هذه الدول مازالت تبحث عن الآليات المؤسساتية والتشريعية التي تمكنها في الوقت نفسه من مواجهة الانزلاقات والاختراقات، دون الإخلال بالتزاماتها المحلية والدولية ذات الصلة بضمان حرية التعبير والحق في الوصول إلى المعلومة.

صحيح أن الدولة وضعت استراتيجية المغرب الرقمي 2030 والتي تمثل خطة طموحة شاملة تهدف إلى تحويل المغرب إلى قطب رقمي إقليمي من خلال رقمنة الخدمات الحكومية، وتعزيز الاقتصاد الرقمي، وتطوير البنية التحتية الرقمية. لكن إلى جانب ذلك، يتعين على المؤسسات الحكومية في بلادنا بذل مزيد من الجهود في مجال العناية بترشيد استخدامات الشباب المغربي لشبكات التواصل المختلفة (فايسبوك – تويتر – انستغرام – يوتوب – واتساب – تيك توك …) من خلال تشجيعهم على النفاذ بفاعلية أكبر إلى هذه التقنيات، والمساهمة في بناء ثقافة رقمية نافعة، وتداول المعلومات ونشر المعرفة لأغراض تنموية، مع الحرص على حمايتهم من الانزلاقات القانونية والأخلاقية الناتجة عن استعمالهم غير المسؤول لهذه التقنيات، خاصة ما يتعلق بترويج ثقافة العنف والغلو والتطرف العنيف.

لقد تحولت شبكات التواصل الاجتماعي إلى وسيلة بالغة الأهمية وواسعة الانتشار في التواصل البشري المباشر، ونقل الأخبار والمعلومات، والتثقيف والترفيه، متجاوزة وسائل الاتصال التقليدية، كالصحف والإذاعات، نظراً لما تتميز به من تخط للحواجز الجغرافية والمكانية، والسرعة الكبيرة في نقل الملفات، إضافة إلى ما تتمتع به من قدرة فريدة وفعالة في تأطير النقاش العمومي حول القضايا الحيوية للمجتمعات. وساعدت وسائط الاتصال الجديدة على ظهور جيل مؤثر من الشباب منتج للمحتوى الرقمي بغزارة، حيث أتاحت شبكات التواصل الاجتماعي مشاركة الشباب في إنتاج مضامين إعلامية للتعبير عن آرائهم، والتعريف بمشاكلهم، ونشر تصوراتهم ومواقفهم من مختلف الأحداث المحلية والإقليمية والدولية. وأدى ذلك إلى تطور مذهل لما يسمى بالإعلام الاجتماعي، وهيمنة النموذج القصير للمحتويات والرسائل الإعلامية.

وفي الواقع فإن شبكات التواصل الاجتماعي، كتقنية رائدة وجديدة، لا علاقة لها بهذه المخاطر والانزلاقات، بل المسؤولية تعود أولاً وأخيراً إلى مستعملي هذه الشبكات. كما أن التصدي لأشكال الاستعمال السيء لشبكات التواصل الاجتماعي، لا يجب أن يقتصر على اتخاذ الإجراءات القانونية الزجرية، بل يجب أن يتعزز بدعم برامج التربية الإعلامية النظامية من خلال تربية الأطفال والشباب في المؤسسات التعليمية على التعامل الواعي والجيد مع التقنيات الجديدة للإعلام والاتصال، وإدراك خطورة استعمالها في نشر الأخبار الزائفة والمضللة، وتحليل رسائلها واتخاذ مواقف نقدية من مضامينها. والهدف نفسه بالنسبة للكبار، نساءً ورجالاً، في إطار التربية غير النظامية عبر أنشطة منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام الحكومية.

-باحث في الاتصال والحوار الحضاري

شاركها LinkedIn