مصطفى المنوزي
حين يتعلق الأمر بهبة عقار من طرف وزير، فإن القاعدة القانونية تُفرّق بوضوح بين الإعفاء الجبائي للهبة من حيث المبدأ، ووجوب أداء رسوم التسجيل من طرف الموهوب له، باعتبارها التزامًا ماليا تجاه الدولة وليس تجاه الواهب. فالهبة فعل تبرعي دون عوض، معفي من الضريبة على الدخل ( أو الربح العقاري ) ، لكنه لا يُعفي من أداء واجبات التسجيل المفروضة قانونًا، والتي تبقى ديْنًا عموميًا في ذمة المتلقي (الموهوب له).
كما أن الإدارة الجبائية، وبمقتضى القانون، تمارس حقها في مراجعة قيمة العقار لتفادي أي تدليس أو تقليل غير مبرر في قيمة الهبة، وهو ما يُدرج ضمن آليات مكافحة التحايل، دون أن يرقى ذلك إلى “تملص ضريبي” يقتضي مساءلة الواهب جنائيًا أو سياسيًا، ما دام التصريح قد تم وتم قبول مبدأ الهبة.
ومع ذلك، فإن الفعل السياسي لا يُختزل في تفسير قانوني ضيق. فحتى وإن لم يكن هناك خرق قانوني صريح، فإن الانزياحات الأخلاقية ومظاهر الامتياز والزبونية تضع المسؤول العمومي تحت مجهر النقد العمومي، خاصة إذا تمّ توظيف هذه الوقائع ضمن سياق انتخابي أو إعلامي ضاغط.من هنا، يبرز السؤال الجوهري: متى سننتقل من الاقتصار على فضح الممارسات، إلى ترسيخ مساءلة مؤسساتية تُدمج البُعد الأخلاقي في التقييم السياسي، بدل الاقتصار على التقنيات القانونية أو الإثارات الإعلامية الموسمية؟ كما أن الحاجة أصبحت مُلحّة للتمييز بين:
الحقيقة القانونية التي تضبط العلاقات والتصرفات بحسب النصوص الجاري بها العمل،والحقيقة السياسية التي تتطلب قراءة في الوجاهة والمشروعية الرمزية،ثم الحقيقة الإعلامية/الانتخابوية التي غالبًا ما تُستثمر في الإثارة دون بناء بدائل أو تعزيز ثقة الجمهور في المؤسسات.
إن تأهيل السياسة يقتضي مأسسة الفعل النقدي، وربط السلطة بالمسؤولية لا فقط عبر القضاء أو الإعلام، بل من خلال ثقافة مساءلة تراكمية تُميز بين الحق في التصرف القانوني، وواجب
التحلي بالحد الأدنى من الرصانة السياسية والقدوة الأخلاقية.
وهنا نتساءل على سبيل الختم : أليست المطالبة بالإقالة كجزاء وسيلة انتخابوية تشرعن للإفلات من المحاسبة القانونية ؛ على اعتبار أن التلويح بالمتابعة مجرد ورقة للإبتزاز السياسوي ؛ وهي في عمقها ذريعة مشرعنة لتبادل المنافع بالتناوب ؟
