Ads 160x600
Ads 160x600
الرئيسية / / آراء / رسالة مفتوحة ردًّا على «لغز محمد السادس»: بين السرد الإعلامي والحقيقة المغربية

رسالة مفتوحة ردًّا على «لغز محمد السادس»: بين السرد الإعلامي والحقيقة المغربية

كيوسك أنفو 28 أغسطس 2025 - 14:26 آراء

د. خالد خالص – محامٍ بهيئة الرباط

 

في 24 غشت 2025، نشرَت جريدة لوموند مقالًا مطولًا بعنوان: «في المغرب، أجواء نهاية عهد محمد السادس» – تحقيق «لغز محمد السادس» (الجزء الأول من سلسلة من ست حلقات). وللوهلة الأولى قد يبدو النص تحقيقًا متوازنًا حول المغرب وملكه، غير أنه في الحقيقة قائم على قراءة مجتزأة وانتقائية تختزل تجربة حكم تجاوزت ستة وعشرين عامًا في بضع كليشيهات، وشائعات، وحكايات شخصية، وتبخيس متعمد. وهذا لا يشكّل ظلما في حق محمد السادس فحسب، بل هو إساءة لصورة المغرب بأسره.

 

1. شهادة مواطن مغربي

لا أكتب باسم حزب أو مؤسسة، بل أنا مجرد مواطن مغربي عايش ثلاثة ملوك – محمد الخامس، الحسن الثاني، ومحمد السادس – ويحرص على سمعة بلده.

 

2. من صحافة مرجعية إلى صحافة استهلاكية

كطالب في سبعينيات القرن الماضي – وحتى بعدها – كانت لوموند ولوموند ديبلوماتيك تشكل لنا مرجعا أساسيا لفهم العالم، بفضل جديتها ومصداقيتها. أما اليوم، فبنشر مقالات من هذا النوع، ابتعدت لوموند، التي كانت يوما نموذجا للصحافة الحرة المستقلة الرصينة التي تحلل القضايا الكبرى، صارت تنزلق إلى منطق استهلاكي وسعي وراء الإثارة، قائم على الإيحاءات والتشهير والابتزاز الإعلامي.

 

3. حصيلة متعمدة الإخفاء

منذ 1999، عرف المغرب في عهد محمد السادس إصلاحات وإنجازات كبرى لا يمكن محوها بجرة قلم:

 

إصلاحات سياسية ومؤسساتية

• دستور 2011 الذي كرس استقلال السلطة القضائية، وعزز الحقوق والحريات، وأحدث مؤسسات جديدة مثل المحكمة الدستورية، المجلس الأعلى للحسابات، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهيئة المناصفة والمساواة…

• توسيع الفضاء العمومي بما أتاح حرية أكبر للتعبير ودينامية جمعوية صارت مرجعًا إقليميًا.

 

إصلاحات اجتماعية وقانونية

• إصلاح مدونة الأسرة (2004)، الريادي في العالم العربي، الذي كرس حقوقا جديدة للمرأة والطفل.

• إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (2005) كإستراتيجية كبرى ضد الفقر والهشاشة.

• تجربة العدالة الانتقالية عبر هيئة الإنصاف والمصالحة (2006) التي طوت صفحة “سنوات الرصاص”.

• إصلاح الحقل الديني، مُرسخا إسلاما وسطيا معتدلا ومعترفً به دوليا.

• التعميم التدريجي للتأمين الصحي الإجباري، وتوسيع الحماية الاجتماعية والتقاعد لجميع المغاربة.

• إصلاحات تعليمية للحد من الهدر المدرسي وتوسيع العرض الجامعي والمدارس العليا.

• برامج تضامنية: توزيع قفف غذائية في رمضان، ومبادرات توزيع المحافظ واللوازم المدرسية على مئات الآلاف من التلاميذ – مبادرات ذات دلالة رمزية وإنسانية تعكس الصلة المباشرة للمؤسسة الملكية باحتياجات المواطنين اليومية.

 

البنيات التحتية والأوراش الكبرى

• ميناء طنجة المتوسط الذي أصبح من أكبر الموانئ العالمية، مع موانئ أخرى مثل الناظور والداخلة.

• شبكة طرق سيارة حديثة تغطي البلاد.

• مطارات دولية متعددة.

• القطار الفائق السرعة “البُراق”، الأول في إفريقيا، بين طنجة والدار البيضاء، مع خطط للتمديد نحو مراكش وأكادير.

• بناء وتجديد ملاعب كبرى، بينها أكبر ملعب في إفريقيا قيد الإنجاز بين الرباط والدار البيضاء.

• تحديث حضري: ترامواي الرباط والدار البيضاء، أقطاب

 

تكنولوجية، مناطق صناعية ولوجستيكية.

دبلوماسية وإشعاع دولي

• تعزيز الموقف المغربي في قضية الصحراء مع تزايد الاعتراف بمغربية الأقاليم الجنوبية (من الولايات المتحدة، إسبانيا، فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، البرتغال، فضلًا عن معظم الدول العربية والافريقية…)، وافتتاح قنصليات متعددة في مدينتي العيون والداخلة.

• العودة المظفرة إلى الاتحاد الإفريقي، مقرونة بسياسة إفريقية نشطة (في مجالات البنوك، الطاقة، الفلاحة، البناء، التأمين…).

 

محمد السادس… رجل سلام

تجاهل المقال بُعدا أساسيا في شخصية محمد السادس: كونه رجل سلام. فقد مد دائما يده إلى الجار الشرقي رغم عداء قادته، مفضلا الحوار والوحدة المغاربية. وتحت قيادته ساهم المغرب في عمليات حفظ السلام الأممية (ومنها المينورسو) وفي مهام إفريقية أخرى.

وأبرز مثال هو المبادرة الإنسانية المغربية، حيث كان المغرب ربما البلد الوحيد الذي أدخل مساعدات إنسانية إلى غزة أثناء الحرب، في وقت ترددت فيه دول أخرى. وهذا يبرهن على دبلوماسية قائمة على قيم السلم والتضامن.

ومما يميز الملك أيضا أنه لا يتحدث كثيرا، لكنه يعمل كثيرا. فهو يفضل لغة الأفعال والإنجازات على لغة الخطابات والشعارات، خلافًا للإيحاءات الباطلة التي روج لها الصحفيان.

 

الاقتصاد والطاقة

• تنويع اقتصادي منفتح على إفريقيا والعالم.

• إطلاق مشروع أنبوب الغاز نيجيريا–المغرب–أوروبا، لربط منتج إفريقي رئيسي بالسوق الأوروبية عبر 11 دولة، وجعل المغرب منصة طاقية عالمية.

 

البيئة والتنمية المستدامة

• الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة (2010)، الذي أدخل حماية البيئة إلى الدستور.

• استضافة مؤتمر المناخ COP22 بمراكش (2016).

• برامج تشجير، وتدبير النفايات، وتعميم الطاقات المتجددة.

• مشاريع كبرى مثل مركب الطاقة الشمسية “نور ورزازات”، والحقول الريحية، والاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر.

السياحة والجاذبية

• استقطاب أكثر من 17 مليون سائح سنويا، بفضل وجهات سياحية بحرية وجبلية وصحراوية وثقافية.

• بروز مراكش، فاس، أكادير، الداخلة وغيرها من المدن كوجهات عالمية.

 

الرياضة والثقافة والفخر الوطني

• التأهل التاريخي إلى نصف نهائي كأس العالم 2022.

• تنظيم كأس إفريقيا للأمم 2025، والمشاركة في تنظيم كأس العالم 2030.

• بناء مسارح، متاحف، مدارس موسيقى.

• تكريم مثقفين ورياضيين وفنانين بأوسمة ملكية، مما يعزز ثقافة الاعتراف.

 

4. التقاليد، الاستقرار، والخلافة

الملكية المغربية قائمة على تقاليد راسخة تضمن الاستمرارية. أما التكهنات حول صحة الملك أو “تردده” في الحكم فهي مجرد أوهام. الخلافة محسومة: ولي العهد مولاي الحسن (22 عامًا)، الذي تمت ترقيته مؤخرًا إلى رتبة كولونيل ماجور كما والده في نفس العمر، والحاصل على شهادة بميزة مشرفة جدًا ويدرس بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات، يضطلع فعلا بمهام تمثيلية مهمة، بما يهيئ انتقالا منظما يحترم التقاليد.

 

5. خلط فاضح يكشف الجهل

لقد خلط مقال لوموند بين صفة “الوزير الأول” (قبل 2011 بسلطات محدودة) و”رئيس الحكومة” (بعد 2011 بسلطات واسعة في إطار فصل السلطات). وهذا ليس تفصيلا تقنيا، بل خطأ جسيم يعكس جهلا بالتطور الدستوري للمغرب.

 

6. الأمن والاستقرار : ركيزة استراتيجية

منذ تفجيرات الدار البيضاء 2003، فكك المغرب مئات الخلايا الإرهابية، ليصبح نموذجا إقليميا في مكافحة التطرف العنيف. كما أن تعاونه الدولي في مجالات الأمن والهجرة والجريمة العابرة للحدود عزز مكانته كشريك موثوق.

 

7. خلفيات مشبوهة

يبقى السؤال: لماذا اختار صحفيان فرنسيان التوقف عند الشائعات حول محمد السادس، في الوقت الذي تعرف فيه العلاقات بين الرباط وباريس دينامية جديدة؟. هل هو مجرد صدفة، أم عودة إلى تصفية حسابات قديمة تذكرنا بواقعة الصحفيين الفرنسيين اللذين أُدينا بمحاولة ابتزاز ملك المغرب؟

 

خاتمة

المغرب ليس لغزًا. إنه بلد في طور البناء، يتقدم بما له وما عليه، لكنه يسير برؤية واضحة، وبنقاش داخلي مفتوح، وملكية – إمارة المؤمنين – ضامنة للاستقرار والتنمية.

إن اختزال هذه الحقيقة المعقدة في كليشيهات إثارية لا يمت بصلة إلى الصحافة الرصينة، بل هو منزلق لا يليق بصحيفة مرجعية مثل لوموند. والخاسر الحقيقي هو الصحيفة الفرنسية نفسها التي تخون إرثها من الجدية والمصداقية الذي كان يومًا مصدر قوتها.

شاركها LinkedIn